موت فاطمة- ثمن باهظ لـ"إبداع" إسرائيل القاتل

المؤلف: أندرو ميتروفيكا10.09.2025
موت فاطمة- ثمن باهظ لـ"إبداع" إسرائيل القاتل

ربما، باستثناء المقربين من عائلتها وأصدقائها، طوى النسيان قصة فاطمة عبدالله جعفر، الطفلة ذات العشرة أعوام، التي انتهى أجلها القصير بصورة مأساوية.

إلا أن الملابسات المحزنة التي اكتنفت مصرع فاطمة، من حيث الكيفية والمكان والأسباب، تستحق أن تظل محفورة في الذاكرة. يجب ألا ننسى هذه الظروف؛ لأن موتها المفاجئ والمروع يمثل توبيخًا قاسيًا للاحتفاء المتزايد بما يسمى "الأساليب الخلاقة" التي تبتكرها إسرائيل لاغتيال معارضيها.

وفاتها تمثل كذلك إشارة تنذر بخطر داهم يهدد أعدادًا أخرى من الأبرياء الذين سيُزهق أرواحهم في خضم صراع مرير، خاصة وأن الشرق الأوسط يبدو متجهًا نحو الانزلاق في أتون حرب شاملة. ففي غضون فترة قصيرة لا تتجاوز 48 ساعة، لقي ما لا يقل عن خمسين طفلاً مصارعهم في لبنان، جميعهم سقطوا ضحايا للغارات الإسرائيلية الأخيرة.

فقد فاطمة وطفل آخر، هو بلال كنج البالغ من العمر إحدى عشرة سنة، أرواحهما خلال الموجة الأولى من الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مقاتلي حزب الله، وذلك باستخدام أجهزة بيجر مزودة بمتفجرات انفجرت في تمام الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم السابع عشر من شهر سبتمبر/أيلول في مناطق متفرقة من الأراضي اللبنانية.

كانت فاطمة قد عادت إلى منزلها للتو بعد انقضاء أول يوم من العام الدراسي الجديد. كانت تدرس في الصف الرابع. وتتذكر عمتها بشوق بالغ كيف كانت فاطمة متشوقة لتعلم اللغة الإنجليزية بشغف.

تقول العمة بحسرة: "كانت فاطمة تواظب على حضور دروس لتعلم اللغة الإنجليزية". "كانت تعشق الإنجليزية بشدة."

بينما كانت فاطمة في المطبخ، بدأ جهاز البيجر الموضوع على الطاولة بإصدار صوت تنبيه. بادرت الطفلة الصغيرة بالتقاط الجهاز، عازمة على تسليمه لوالدها. ولكن في طريقها إليه، وقع الانفجار المروع. وتحول وجه فاطمة الغض الطفولي الجميل على الفور إلى كتلة مشوهة لا يمكن التعرف عليها. وغمرت الدماء أرضية غرفة الطفلة المدرسية – مشهد مروع يشهد على القوة الفتاكة لهذه القنبلة المرتجلة. وخلال مراسم تشييع جثمانها التي أقيمت في وادي البقاع اللبناني، حمل زملاؤها صورة كبيرة لفاطمة، بينما كانت والدتها تسير بجانب النعش الصغير المغطى بأكاليل الزهور، وهي تذرف الدموع بحرقة.

وتوقف المشيعون في ساحة البلدة قبل أن يتوجهوا إلى مقبرة قريبة. وهناك، أقاموا الصلاة، وتضرع أحد الشيوخ إلى الله عز وجل، راجيًا تحقيق العدالة.

لم يكن لموت فاطمة أي صدى يُذكر في أوساط الجموع الغفيرة من الصحفيين الغربيين وما يسمى بـ "خبراء الأمن" الذين "أبدوا إعجابهم بتعقيد" المؤامرة السرية التي حيكت في الخفاء من قبل إسرائيل لاختراق حزب الله على هذا النطاق "الواسع". لم تؤكد إسرائيل أو تنفِ ضلوعها في هذه العمليات. ومع ذلك، يسود اعتقاد واسع النطاق بأن أجهزة الأمن الإسرائيلية كانت هي الجهة المسؤولة عن التخطيط لهذه الهجمات وتنفيذها. ومن نافلة القول، إن هذا الأمر ليس بجديد. فالأطفال – سواء كانوا أيتامًا أو مصدومين أو مشوهين أو قتلى في غزة أو الضفة الغربية المحتلة أو لبنان – يُعتبرون وقودًا رخيصًا يمكن التخلص منه، بينما تواصل إسرائيل تفريغ "غضبها القاتل" دون أدنى رادع.

أضحت فاطمة، شأنها شأن آلاف الأطفال الآخرين في غزة والضفة الغربية ولبنان الذين قُتلوا أو سيُقتلون، مجرد رقم هامشي غير ذي قيمة في نظر أولئك الذين يشجعون إسرائيل في الخارج ويدعمونها بكل ما أوتوا من قوة. ومن بين هؤلاء، آرثر ويلسينسكي، السفير الكندي السابق والمسؤول الأمني الكبير، الذي سارع إلى منصة "إكس" (تويتر سابقًا) ليصف اللعبة الإسرائيلية القاسية التي أودت بحياة فاطمة عبد الله وبلال كنج بأنها "رائعة" ومثيرة للإعجاب.

كتب ويلسينسكي بكل برود: "استهداف حزب الله اليوم كان عملاً رائعًا. لقد وجه ضربة قاصمة ضد جماعة إرهابية أطلقت آلاف الصواريخ ضد المدنيين، في حين تقف مهمة الأمم المتحدة في لبنان عاجزة ولا تجدي نفعًا. هناك ثمن لابد من دفعه". لكن وفاة فاطمة وبلال كجزء من هذا "الثمن" الباهظ الذي كان على المدنيين اللبنانيين أن يدفعوه، لم تمنع ويلسينسكي من نشر صورة متحركة (GIF) بكل وقاحة بعد ساعات قليلة من بدء الانفجارات القاتلة.

وفي وقت لاحق، وبعد أن وجهت الكاتبة الفلسطينية البارزة مريم البرغوثي انتقادات لاذعة اللهجة إلى ويلسينسكي، مشيرة إلى أن الضحايا كانوا في معظمهم من الأطفال الأبرياء، ردّ ويلسينسكي بنشر صورة متحركة أخرى لرجل يظهر في فيلم وهو يصفق بإعجاب شديد. أثارت منشورات ويلسينسكي استنكارًا واسعًا النطاق، لا سيما وأنه قد عُين مستشارًا خاصًا لمكافحة معاداة السامية في جامعة أوتاوا قبل أشهر قليلة فقط.

وفي محاولة يائسة لتبرير منشوراته المسيئة، ادعى ويلسينسكي أن الصورة المتحركة كانت "تصريحًا حول المحاولات المستمرة على مرّ القرون لإبادة اليهود والتي باءت جميعها بالفشل الذريع".

ولكن، يا سيدي، إن نشر صورة كرتونية للتعليق على المذابح المروعة التي تعرض لها اليهود على مر العصور، هو بمثابة إهانة بالغة لذكرى الملايين من الضحايا الأبرياء: أطفالًا وشبابًا وشيوخًا.

وفي نهاية المطاف، اضطر ويلسينسكي إلى الاستقالة من منصبه في الثامن عشر من شهر سبتمبر/أيلول المنصرم، بعد أن أثارت منشوراته ضجة واسعة النطاق واستياءً عارمًا.

ومع ذلك، تبقى فاطمة وبلال مدفونين تحت التراب. لن يحظيا بفرصة التخرج، ولن يتزوجا، ولن ينجبا أطفالًا يملؤون حياتهما بهجة وسرور.

وفاطمة لن تتعلم اللغة الإنجليزية أبدًا، ولن تحقق حلمها الذي طالما راودها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة